إيران الإقليمية والرئيس الجديد
بغداد تايمز
الكاتب: سالم مشكور
لم يحقق أحد مرشحي الرئاسة الإيرانيَّة الأربعة النسبة المطلوبة للفوز منذ المرحلة الأولى، بل ذهب اثنان ممن حصلا على أعلى الأصوات إلى مرحلة ثانية تجري الجمعة القادمة، وستكون المنافسة بين مسعود بزشكيان وسعيد جليلي.
الأول يصف نفسه بالأصولي الإصلاحي والثاني ينتمي بأفكاره ومواقفه إلى التيار الأصولي، الذي يرى نفسه حارسا لخط الثورة من أي انحراف. لكن بزشكيان وهو الطبيب تركي القومية (عدد الإيرانيين الترك يبلغ عشرات الملايين)، يحظى بدعم التيار الاصلاحي الذي يرى فيه الخط المعتدل، ممثلا لكثير من مواقفه وأفكاره، بالضبط كما تعامل هذا التيار مع الرؤساء السابقين هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني.
التيار الاصلاحي وبسبب تطرف بعض رموزه فيما طرحوه سابقاً أثاروا ردة فعل إقصائية لدى التيار الأصولي المتشدد، الذي يمثله عدد من رموز الرعيل الأول للثورة أمثال آية الله جنتي، الذي قارب عمره المئة عام، وما زال يمارس نفوذه وهيمنته من موقعه كرئيس لمجلس الخبراء.
هذا التيار مدعوم من حرس الثورة، الذي يمثل الدولة العميقة، التي تمارس دور الحامي لخط الثورة مما يرونه خطرا عليها، من جانب أي طرح إصلاحي يستفيد من تجارب العقود الماضية. يمثل المرشح سعيد جليلي الخط المتشدد داخل هذا التيار، فيما يوجد خط أكثر مرونة بحيث يقترب كثيرا من الخط الإصلاحي المعتدل.
مسعود بزشكيان مرفوض من متشددي الأصوليين، لدرجة أن ترشيحه للانتخابات البرلمانية الأخيرة، تم رفضه لعدم الأهلية، رغم انه نائب في دورة سابقة ووزير في حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي.
لكن تدخل المرشد رفع عنه الحظر، مما يشير إلى وجود علاقة وديّة مع المرشد، الذي يشير إليه دائما في مقابلاته ومناظراته، مثيرا انزعاج متطرفي التيار الإصلاحي.
خلال المناظرات التلفزيونية قبيل الانتخابات بدا التضاد واضحا في موقفي المرشحَين من ملفات استراتيجية. مثلا يصر بزشكيان على ان الاتفاق النووي، الذي ابرم في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني مع الدول الاوروبية واميركا كان إيجابيا، وأنه جنّب إيران الكثر من المصاعب، ولا بد من استئناف المفاوضات للعودة إليه، ولكن بشروط تحفظ كرامة ومصالح إيران.
في المقابل يصر منافسه سعيد جليلي على أن ذلك الاتفاق لم يجلب أي فائدة لإيران، وانه يجب عدم العودة اليه بعدما وفّر انسحاب واشنطن الفرصة لإيران للتخلص منه.
الملف الآخر الذي يرهق إيران هو الحظر المفروض عليها، ووضع اسمها في اللائحة السوداء لمنظمة الشفافية الدولية.
يصر مسعود بزشكيان على التفاوض للانضمام إلى المنظمة، لتمكين إيران من التصرف تجاريا بحرية وتحصيل أموالها المحجوزة في دول أخرى، ومنها بدل قيمة الغاز المصدر إلى العراق، والذي يبلع عدة مليارات من الدولارات. سعيد جليلي وما يمثله من تيار اصولي يرفض ذلك، ويرى أن هكذا خطوة ستضع قيودا على حركة الأموال، وبالتالي سيتضرر مشروع المقاومة في المنطقة، بما يمثله من استراتيجية طويلة لوقف التمدد الاسرائيلي والاميركي في المنطقة. المرشح بزشكيان لا يذهب إلى ما يطرحه متطرفو التيار الإصلاحي من رفض لكل أشكال الدعم لحركات وأحزاب غير إيرانية، ويطالبون بإنفاق هذه الاموال على الداخل، الذي يعاني من مشكلات معيشية صعبة، بل يكتفي بزشكيان بالتأكيد على أن إيران تحتاج إلى علاقات مع كل الدول باستثناء اسرائيل.
هو يقول إن إيران بحاجة إلى بناء علاقات مصالح مع الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، وكذلك مع الشرق دون اقتصار الشرق على الصين وروسيا اللتين «تبتزان إيران لعدم وجود خيارات أخرى لإيران». اما التيار الأصولي فيرى أن أميركا شر مطلق ولا يمكن الثقة بها مهما فعلت.
نسبة المشاركة في جولة الجمعة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية لامست الـ 40 بالمئة وهي نسبة متدنية قياسا إلى ما اعتاده الإيرانيون في انتخابات سابقة، ويقول الخبراء في الوضع الداخلي إن النسبة ستكون اقل من ذلك بكثير لولا وجود بزشكيان، الذي يدعمه الاصلاحيون والاقليات العرقية والمذهبية، التي دافع عن حقها كثيرا في مناظراته، وكان يكرر أن عدم معاملة هؤلاء بشكل متساوٍ هو الذي يحرك نزعات الانفصال والاستجابة لتحريكات الخارج.
من المرشح للفوز في الجولة الثانية والاخيرة من الانتخابات الرئاسية؟ النتيجة تعتمد على موقف الناخبين العازفين عن المشاركة في الجولة الأولى، وهم من المحبطين غير الآملين بتغيير، وغالبيتهم من مؤيدي الاصلاح، فاذا ما شجعتهم نتائج الجولة الأولى على الاندفاع للمشاركة في الجولة الثانية، فسيحقق بزشكيان فوزا كبيرا، وبعكسه فإن المصوتين للمرشحين الاثنين الآخرين – وهما من الأصوليين- سيوجهون اصواتهم إلى جليلي وستتحرك ماكنة الأصوليين لدعم فوزه على بزشكيان.
بالتأكيد سيكون لهوية الفائز في الجولة الثانية تأثيره على سياسة إيران الخارجية، رغم كوابح الدولة العميقة، وهو ما شهدناه في عهود رفسنجاني وخاتمي وروحاني.