كتابات: العراق إلى أين ؟! ”كلام ابن عم حديث” منتظر القيسي
وكالة بغداد تايمز (بتا):
العراق إلى أين ؟!
“كلام ابن عم حديث”
الكاتب: منتظر القيسي
منذ بداية عام 2015 على الأقل، وكل المؤشرات تؤكد أن الطفرة النفطية لهذا الجيل انتهت، وأن العراقيين مقبلون على سنوات عجاف لن تقل سوءا عن أصعب سنوات الحصار الدولي الذي فرض على العراق بعد غزو الكويت. فمع استمرار أزمة الطاقة بكل أنواعها وتفاقم حالة الجفاف، انخرط الملايين من الحرفيين والفلاحين في دورة الاقتصاد الاستهلاكي المعتمد على دورة رواتب موظفي القطاع العام، يكفي أن يحسب المرء عدد الدكاكين والمحلات التي افتتحت قرب مسكنه، ليدرك حجم الكارثة المقبلة، ونمط الاستهلاك غير العقلاني الذي أدمن عليه المجتمع بدفع من حكومة لم تجد حلا لفشلها في إنجاز شيء ذي بال، غير رشوة قطاعات من الشعب بوظائف لا وظيفة لها غير استلام الراتب نهاية الشهر، والسماح بتدفق السلع بدون ضرائب مبيعات أو تعرفة گمرگية فعلية.
في هذه الأجواء يحتدم الصراع بين تياري الحكم الشيعي في العراق، تيار العبادي والصدر والحكيم ومن خلفهم السيستاني، وتيار المالكي والعامري والخزعلي ومن خلفهم الخامنئي. يرزح العبادي لوحده تحت ضغط الأزمة باعتباره رأس السلطة التنفيذية رغم أنه استلم الخزينة العامة خاوية، بينما يتمتع المالكي وفريقه، مسببي الأزمة، بحرية المزايدة السياسية إلى درجة المطالبة بتغيير نظام الحكم. تكتيك كلاسيكي لإلهاء عامة الناس بشعارات كبيرة فضفاضة، توحي بأن مطلقيها يدركون ما يقولون من دون أن يضطروا لتقديم الأدلة على ذلك . لا ينكر أن طبيعة النظام السياسي التحاصصي سبب رئيسي في انهيار الاقتصاد، لكن الحلول المقترحة من فريق المالكي لا تلامس جذر الأزمة، بل تحاول تسخيرها لمصادرة الدولة العراقية لصالح الاستراتيجية الإيرانية، بعد سنوات من توظيف العراق كورقة في مساوماتها مع الإدارة الأمريكية ، واستعماله كسوق لاقتصادها بما تجاوز العشرات من المليارات دولار سنويا، خفف عنها جانبا من الضغوط الاقتصادية الدولية.
لم يتبق للعبادي سوى شهرين او ثلاث على الأكثر، قبل أن يضطر لمواجهة الشعب بأحد خيارات ثلاثة ، إما خفض رواتب الموظفين بنفس نسبة انخفاض أسعار النفط والتسبب بانكماش الاقتصاد الاستهلاكي الذي يعتاش عليه عموم الشعب ، وإما تحرير سعر صرف الدينار وتركه والشعب المعتمد في كل حاجاته الأساسية على الاستيراد، تحت رحمة قوانين السوق الرأسمالي في أشد نسخه وحشية، أو إعلان إفلاس الحكومة.
لقد تأخر العبادي كثيرا وكثيرا جدا في اتخاذ القرارات اللازمة لتحصين نفسه أمام أنصار الولاية الثالثة، وربما ان خطاءه الأساسي في أنه لم يخرج بفريق الانقلابيين من كتلة دولة القانون ويشكل تحالفا جديدا مع الصدر والحكيم. حتى السيستاني فاته أنه لا يصارع نهجا سياسيا ودينيا راديكاليا فقط ، بل يخوض سباقا ضد الساعة النفطية التي باشرت عدها العكسي مع أول جمعة احتجاجات.
نعم نجح فريق العبادي، السيستاني بمناورة ذكية في استخدام موجة المظاهرات لدفع الفريق الخصم للتراجع خطوة، لكن بشكل مؤقت، فحزمة الإصلاحات انتهى مفعولها، ويتطلب تهدئة المحتجين الغاضبين أن يرمى لهم سريعاً بكبش فداء كبير ،المالكي، ليمتص الغضب الشعبي المتصاعد بالتوازي مع القضاء على أكبر خطر يواجه حكومته المتزعزعة .
تهديد العبادي بالاستقالة هو حصنه الاخير، فبالإضافة إلى استحالة تحقيق النصاب القانوني اللازم لسحب الثقة ، فليس من مصلحة إيران حالياً استبدال العبادي بأحد المقربين منها ليتحمل وزر الانهيار المالي المرتقب .
ناهيك عن المضي إلى آخر الشوط ودعم انقلاب ”الحشد الثوري” على النظام البرلماني وإعلان الحكم الرئاسي في دولة على شفير الإفلاس، بما يستتبعه ذلك من تخريب اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعريض حليف آخر من حلفائها لعزلة وعقوبات دولية، وتحويل حديقتها الخلفية ومجالها الحيوي إلى عبئ ثقيل عليها، خصوصا وأن تراجع أسعار النفط أوشك أن يطيح بكل فائدة متوقعة من الاتفاق النووي . في حين أن المخطط الاستراتيجي الإيراني تعامل مع العراق منذ آذار 1991 باعتباره فخا نصبته الولايات المتحدة الأمريكية لاستدراج الجمهورية الإسلامية إلى حرب استنزاف بالوكالة على الطراز الأفغاني، ولن يغامر بالدخول إليه بعدما أتقن أكل الطعم والسخرية من الصياد.