المبادئ الانسانية في السياسة العمانية

5 يناير، 2023
132

بغداد تايمز

الكاتب العماني / خميس بن عبيد القطيطي

 

المبادئ الإنسانية والأخلاق هي الأساس في العلاقات الدولية، لكنها ـ للأسف ـ لم تُولَ الأهمية في التطبيق السياسي للكثير من دول العالم التي انحازت نحو مصالحها وتحقيق أجندتها السياسية ولو كان ذلك على حساب المبادئ الإنسانية والقانون الإنساني الدولي. وهناك الكثير من الأمثلة السياسية التي عبَّرت عنها تلك السياسات المزدوجة، لذلك فقد مورست سياسات الحصار والعقوبات الاقتصادية، وحدثت تدخلات عسكرية متعددة من قبل قوى دولية ضد دول أخرى بناء على ذرائع باطلة ولتمرير أجندة سياسية محددة.

العلاقات الدولية غالبا انحازت نحو مصالح الدول، وتنحت بعيدا عن القِيَم والمبادئ الإنسانية، إلا أن بعض الدول سجَّلت علامات مضيئة في علاقاتها الدولية، فاعتمدت المبادئ الإنسانية وطبقتها قولا وعملا في سياستها الخارجية، وسنَّت تشريعاتها ومبادئها السياسية وفقًا لتلك القِيَم والمبادئ الإنسانية رغم صعوبة تطبيقها في عالم تسوده المصالح والسياسات المزدوجة وهذا النهج الإنساني رسم صورتها أمام العالم ورسخ فلسفتها وحدد مسارها السياسي.

سلطنة عمان تُعدُّ من الدول القلائل التي اعتمدت هذا النهج السياسي القويم في سياستها الخارجية، ورسَّخت خطًّا ثابتًا يقوم على اعتبار جميع دول العالم أصدقاء، وكرَّست مفهوم عدم التدخل في شؤون الغير، والحياد الإيجابي وتجنُّب الحروب والبحث عن سُبل السلام، وطبَّقت العديد من المفاهيم السياسية القائمة على المبادئ الإنسانية والأخلاق الدولية وحقوق الإنسان، واستطاعت العيش بسلام ووئام، وسعت لنشر هذا المفهوم في ربوع الإقليم والعالم توازيا مع منهجها السياسي. لذا لا غرابة أن تستقطب عُمان أنظار العالم إعجابا بهذا النموذج السياسي الفريد، ولا شك أن هذه المبادئ والقِيَم الإنسانية لها قواعد راسخة ومتجذرة في البيئة العُمانية ومستقاة من الإرث الحضاري التي تشكِّل عبر مراحل تاريخية طويلة فتميز نموذجها السياسي منذ عصور قديمة. وهنا ليجدر بالذكر قول الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) لأحد مبعوثيه عندما عاد إلى المدينة المنورة وقد تلقَّى معاملة سيئة فقال صلى الله عليه وسلم: “لو أتيت أهل عُمان ما سبوك ولا ضربوك” وهناك أمثلة كثيرة وشواهد تاريخية بيَّنت حقيقة الفكر السياسي العُماني لا يتسع المجال لذكرها. وهكذا كانت سياسة عُمان في مختلف العهود مرورا بعهد دولة اليعاربة ثم الدولة البوسعيدية التي تُعدُّ أطول الأسر الحاكمة في العالم اليوم مكرسة هذا النموذج، وتجلَّت هذه الصورة العُمانية عندما جاء باني نهضة عُمان الحديثة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ ليكرس ويصقل هذا النموذج السياسي العُماني خلال نصف قرن رسم فيه معالم السياسة العُمانية ووضع الإطار والمسار لها. واليوم يستكمل مجدد نهضتها الحديثة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ـ هذا الخط السياسي القويم، لتنال عُمان ثقة العالم بأن تكون هي العنوان الذي يجمع الفرقاء؛ ذلك لأنها دائما صادقة مع نفسها وصادقة مع الآخرين، ورسَّخت نموذجا سياسيا حكيما يتمحور على قاعدة المبادئ الإنسانية أولا التي تتقاطع مع المصالح ثانيا.

المواقف السياسية العُمانية منذ خمسة عقود تعمل وفقا لهذه الفلسفة العُمانية المعروفة؛ ملتزمة هذا النهج، باحثة عن السلام والاستقرار والازدهار للإقليم والعالم أجمع. فكانت سلطنة عمان هي قبلة السلام للحوار وتقريب المسافات بين الأصدقاء والفرقاء ونالت ثقة المجتمع الدولي ومؤسساته .

التصنيفات : كتابات