جريمة العصر استشهاد أية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس)

9 أبريل، 2016
331

وكالة بغداد تايمز (بتا)

في مثل هذا اليوم الأسود والمشؤوم و بتاريخ التاسع من شهر نيسان عام 1980 ، تطل علينا الذكرى السنوية لجريمة العصر إعدام المرجع و المفكر و الفيلسوف الشهيد آية الله العظمى الامام السيد محمد باقر الصدر ، مفجر الثورة الاسلامية في العراق و أخته العلوية العالمة الفاضلة الشهيدة بنت الهدى (آمنة حيدر الصدر) رضوان الله تعالى عليهما ، من قبل طاغية العراق الدكتاتور صدام .

ولد المرجع الشهید محمد باقر الصدر(قدس سره) فی مدینة الکاظمیة المقدسة فی 25 ذی العقدة سنة 1353هجریة الموافق 1933 میلادیة . و ینتمی نسبه الشریف إلى الإمام السابع موسى بن جعفر الکاظم (علیه السلام). والده السید حیدر الصدر (قدس سره) من نوابغ العلماء، ووالدته الفاضلة إبنة العلامة الکبیر عبد الحسین آل یاسین (قدس سره). توفى والده وعمره (4) سنوات، فتولت والدته تربیته، وفی ریعان صباه تلقى العلوم الإسلامیة على ید أخیه السید إسماعیل الصدر. عندما أتم دراساته التمهیدیة فی الکاظمیة المقدسة هاجر إلى النجف الأشرف عام 1945 لمواصلة دراساته العلیا وکان عمره الشریف 13 سنة، ودرس على ید کبار مراجع التقلید ونال درجة الإجتهاد وهو دون العشرین من عمره. أوجد مدرسة إسلامیة تتمتع بالشمولیة والأصالة والعمق والحرکة الحیویة والتجدید والعالمیة.

تأسیس جماعة العلماء

کان المبادر الأول لتأسیس “جماعة العلماء” وذلک فی عام 1958م لنشر الوعی الإسلامی والسیاسی فی أوساط الحوزة العلمیة .

نبوغ وذکاء الشهید الصدر
لیس من دأب الشهید المرجع الصدر العبقری والفیلسوف أن تحوم أبحاثه العلمیة حول سطوح البحث والدراسة بعیدة عن العمق ، بل کان یغور إلى أعماقها حتى تبدو له خفایاها بحیث لا یترک مجالاً لأی باحث من أن یزید علیه تحقیقاً، ولم یکن متردداً فی ما یرتبه من نتائج أو ما یختار من حلول وآراء، وکان یمتلک قدرة فائقة على سبر غور الأبحاث والدراسات العلمیة التی بحثها أو کتبها، وکان (رضوان الله علیه) حینما یقرأ أو یکتب أو یفکر ینقطع عن المحیط الذی یعیش فیه وینسجم مع الحالة التی هو فیها إنسجاماً بنحو لا یشعر بما حوله.
ولقد نقل عن زوجته العلویة الصابرة أم جعفر تقول: “حینما یستغرق السید الشهید محمد باقر (قدس سره) فی المطالعة أو التفکیر ینسى کل شئ حتى طعامه فأرانی مضطرة فی آخر الأمر إلى قطع تأمله أو مطالعته فأقول له : لقد قرب وقت الظهر ولا شئ عندنا، عندها یقوم لیشتری بنفسه ما نحتاج إلیه” .
ومن الطریف أنه کان یستغرق أحیاناً فی التفکیر المستمر طوال الیوم واللیل ولا ینقطع إلا عند النوم ، ثم إنه عندما کان یستیقض یبدأ من نفس النقطة التی انتهى إلیها عند النوم ، وذلک ما یفسر قدرته الخارقة على إستیعاب جمیع الأمور والأبحاث. وهذه الحالة هی إحدى خصائص السید الشهید الصدر (قدس سره)، ولذلک فإن معظم من عاش وعاصر الشهید محمد باقر الصدر (رضوان الله علیه) یعرف أن کل مؤلفاته کتبها مرة واحدة وبلا إعادة نظر فیها، فهو لا یعرف ما نسمیه بـ (المسودة والمبیضة). وحتى أخطر کتبه وأدقها وأصعبها وهو کتاب (الأسس المنطقیة للإستقراء) کتبه مرة واحده وهذا أمر یثیر الدهشة فقد کانت سرعته فی الکتابة عجیبة.. قلم یلتهم الصفحات فیملأها نوراً وعلماً وحکمةً. فجمیع أبحاثه ودراساته (رضوان الله علیه) ترى فیها إضافة إلى الدقة والعمق مع السعة والشمول، منهجیة رائعة فی طریقة العرض. إن عظمة شخصیة الشهید الصدر(رضوان الله علیه) من خلال إنبهار رؤساء دول وحکومات أو شخصیات کبیرة بسبب العموق والعبقریة التی عرف بها من خلال کتاباته وتألیفاته التی تبهر العقول فی عمقها وأصالتها، ومن مؤلفاته القیمة: “المدرسة الإسلامیة” وهو حلقة الوصل بین “فلسفتنا” و “إقتصادنا”. ألفه وعمره الشریف 26 سنة، وهو دراسة موضوعیة لأهم الأسس الفلسفیة. وکتاب إقتصادنا ألفه وعمره الشریف 27 سنة ویشتمل على جزئین فی المادیة التاریخیة وقوانین الدیالکتیک، ووضع الهیکل العام للإقتصاد الإسلامی .
ومن مؤلفاته :
قال السیّد محسن الأمین فی أعیان الشیعة : هو مؤسّس مدرسة فکریة إسلامیة أصیلة تماماً ، اتَّسمَت بالشمول من حیث المشکلات التی عنیت بها میادین البحث ، فکتبه عالجت البُنى الفکریة العلیا للإسلام ، وعنیت بطرح التصوّر الإسلامی لمشاکل الإنسان المعاصر ، ومجموعة محاضراته حول التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم طرح فیها منهجاً جدیداً فی التفسیر ، یتَّسم بعبقریَّته وأصالته .
مؤلفاته : نذکر منها ما یلی :
1ـ فدک فی التاریخ
2ـ دروس فی علم الأُصول
3ـ بحث حول المهدی ( علیه السلام )
4ـ نشأة التشیّع والشیعة
5ـ نظرة عامَّة فی العبادات
6ـ فلسفتنا
7ـ اقتصادنا
8ـ الأُسس المنطقیة للاستقراء
9ـ رسالة فی علم المنطق
10ـ غایة الفکر فی علم الأُصول
11ـ المدرسة الإسلامیة
12ـ المعالم الجدیدة للأُصول
13ـ البنک اللاربوی فی الإسلام
14ـ بحوث فی شرح العروة الوثقى
15ـ موجز أحکام الحج
16ـ الفتاوى الواضحة .
17ـ بحث فلسفی مقارن بین الفلسفة القدیمة والفلسفة الجدیدة
18ـ بحث حول الولایة
19ـالمدرسة القرآنیة التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم
20ـ الإسلام یقود الحیاة
کما أن بعض أثاره قد سرقها البعثیون الجلادون الجناة ومنها : کتاب قد ألفه فی تحلیل الفکر البشری حول فلسفة المعرفة ، ومدونات قیمة أخرى.
دراسته

تعلَّم الشهید الصدر القراءة والکتابة ، وتلقَّى جانباً من الدراسة فی مدارس منتدى النشر الابتدائیة بمدینة الکاظمیة المقدّسة ، وهو صغیر السن ، وکان موضع إعجاب الأساتذة والطلاّب لشدَّة ذکائه ونبوغه المبکّر ، ولهذا درس أکثر کتب السطوح العالیة من دون أستاذ ، فبدأ بدراسة کتاب المنطق ، وهو فی سن الحادیة عشرة من عمره ، وفی نفس الفترة کتب رسالة فی المنطق ، وکانت له بعض الإشکالات على الکتب المنطقیة .
وفی بدایة الثانیة عشرة من عمره بدأ بدراسة کتاب معالم الأُصول عند أخیه السیّد إسماعیل الصدر ، وکان یعترض على صاحب المعالم ، فقال له أخوه : إنّ هذه الاعتراضات هی نفسها التی اعترض بها صاحب کفایة الأُصول على صاحب المعالم ، وفی عام 1365 هـ سافر السیّد الشهید إلى مدینة النجف الأشرف لإکمال دراسته .
وبالرغم من أنّ مُدَّة دراسة السیّد الصدر منذ الصبا وحتّى إکمالها لم تتجاوز ( 17 أو 18 ) عاماً ، إلاّ أنَّها من حیث نوعیة الدراسة تعدُّ فترة طویلة جدّاً ، لأنّ السیّد کان خلال فترة اشتغاله بالدراسة منصرفاً بکلِّه لتحصیل العلم ، فکان منذ استیقاظه من النوم مبکّراً وإلى حین ساعة منامه لیلاً یتابع البحث والتفکیر ، حتّى عند قیامه وجلوسه ومشیه .

أساتذته :

و نذکر منهم ما یلی :
1ـ السیّد محسن الطباطبائی الحکیم .
2ـ أخوه ، السیّد إسماعیل الصدر .
3ـ الشیخ محمّد رضا آل یاسین .
4ـ السیّد أبو القاسم الخوئی .

تدریسه لأبحاث الخارج

بدأ السیّد الصدر فی إلقاء دروسه ولم یتجاوز عمره خمس وعشرون عاماً ، فقد بدأ بتدریس الدورة الأُولى فی علم الأُصول فی الثانی عشر من جمادى الثانیة 1378 هـ ، وأنهاها فی الثانی عشر من ربیع الأوّل 1391 هـ ، وبدأ بتدریس البحث الخارج فی الفقه على نهج العروة الوثقى عام 1381هـ .
وخلال هذه المدّة استطاع السیّد أن یربّی طلاّباً امتازوا عن الآخرین من حیث العلم ، والأخلاق ، والثقافة العامّة ، لأنّ تربیته لهم لیست منحصرة فی الفقه والأُصول ، بل إنّه کان یلقی علیهم فی أیّام العطل والمناسبات الأُخرى محاضراته فی الأخلاق ، وتحلیل التأریخ ، والفلسفة ، والتفسیر ، ولذا أصبح طلاّبه معجبین بعلمه ، وأخلاقه ، وکماله ، إلى مستوىً منقطع النظیر ، ولهذا حینما یجلس السیّد بین طلاّبه یسود بینهم جو ملیء بالصفاء والمعنویة .

تلامذته

نذکر منهم ما یلی :
1ـ السیّد کاظم الحسینی الحائری .
2ـ السیّد محمود الهاشمی الشاهرودی .
3ـ الشهید السیّد محمّد باقر الحکیم .
4ـ الشهید السیّد محمّد الصدر .
5ـ السیّد عبد الکریم القزوینی .
6ـ الشیخ عبد الهادی الفضلی .
7ـ الشهید السیّد عبد الصاحب الحکیم .

صفاته وأخلاقه

1ـ حبّه وعاطفته : إنّ من سِمات شخصیته تلک العاطفة الحارّة ، والأحاسیس الصادقة ، والشعور الأبوی تجاه کل أبناء الأمّة ، فتراهُ تارةً یَلتقیک بوجه طَلیق ، تعلوه ابتسامة تُشعرک بحبٍّ کبیر ، وحنان عظیم ، حتّى یحسب الزائر أنّ السیّد لا یحب غیره ، وإن تحدّث معه أصغى إلیه باهتمام کبیر ورعایة کاملة ، وکان سماحته یقول : إذا کنا لا نَسَع الناس بأموالنا ، فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا ؟
2ـ شأنه : لم یکن الشهید الصدر زاهداً فی حطام الدنیا ، لأنّه کان لا یملک شیئاً منها ، أو لأنّه فقد أسباب الرفاهیة فی حیاته ، فصار الزهد خیاره القهری ، بل زهد فی الدنیا وهی مقبلة علیه ، وزهد فی الرفاه وهو فی قبضة یمینه ، وکأنّه یقول : یا دنیا ُغِّری غیری ، فقد کان زاهداً فی ملبسه ومأکله ، ولم یلبس عباءة یزید سعرها عن خمسة دنانیر آنذاک ، فی الوقت الذی کانت تصله أرقى أنواع الملابس والأقمشة ممّن یُحبونه ویودُّونه ، لکنّه کان یأمر بتوزیعها على طلاّبه .
3ـ عبادته : من الجوانب الرائعة فی حیاة السیّد هو الجانب العبادی ، ولا یُستغرب إذا قلنا : إنّه کان یهتم فی هذا الجانب بالکیف دون الکم ، فکان یقتصر على الواجبات والمهم من المستحبّات ، وکانت السِمَة التی تمیَّز تلک العبادات هی الانقطاع الکامل لله تعالى ، والإخلاص والخشوع التامَّین ، فقد کان لا یصلّی ولا یدعو ولا یمارس أمثال هذه العبادات إلاّ إذا حصل له توجّه وانقطاع کاملین .
4ـ صبره وتسامحه : کان السیّد الصدر أسوة فی الصبر ، والتحمّل ، والعفو عند المقدرة ، فقد کان یتلقّى ما یوجّه إلیه بصبر تنوء منه الجبال ، وکان یصفح عمَّن أساء إلیه بروح محمَّدیة .
5ـ نبوغه : کانت علامات النبوغ بادیة على وجهه منذ طفولته ، وعلى سبیل المثال نذکر هذه القصّة التی حدثت فی بدایة الحیاة الدراسیة للسیّد الصدر : کان السیّد یدرس عند الشیخ محمّد رضا آل یاسین ، وحینما وصل الأستاذ فی بحثه إلى مسألة أنَّ الحیوان هل یتنجّس بعین النجس ، ویطهر بزوال العین ، أو لا یتنجس بعین النجس ؟ فذکر الشیخ آل یاسین أنّ الشیخ الأنصاری ذکر فی کتاب الطهارة : أنّه توجد ثمرة فی الفرق بین القولین تظهر بالتأمّل .
ثمّ أضاف الشیخ آل یاسین : إنّ أستاذنا السیّد إسماعیل الصدر حینما انتهى بحثه إلى هذه المسألة ، طلب من تلامیذه أن یبیِّنوا ثمرة الفرق بین القولین ، ونحن بیَّنا له ثمرة فی ذلک ، وأنا أطلب منکم أن تأتوا بالثمرة غداً بعد التفکیر والتأمّل ، وفی الیوم التالی حضر السیّد الصدر قبل الآخرین عند أستاذه ، وقال له : إنِّی جئت بثمرة الفرق بین القولین ، فتعجّب الشیخ آل یاسین من ذلک کثیراً ، لأنّه لم یکن یتصوّر أنّ حضور تلمیذه إلى الدرس حضوراً اکتسابیا ، وإنّما هو حضور تفنّنی . فبیَّن السیّد الصدر ثمرة الفرق بین القولین ، وحینما انتهى من بیانه دُهش الأستاذ من حِدّة ذکاء تلمیذه ونبوغه ، وقال له : أعِد بیان الثمرة حینما یحضر بقیة الطلاّب ، وحینما حضر الطلاّب سألهم الشیخ : هل جئتم بثمرة ؟ فسکت الجمیع ولم یتکلّم أحد منهم ، فقال الأستاذ : إنّ السیّد محمّد باقر قد أتى بها ، وهی غیر تلک التی بیَّنَّاها لأُستاذنا السیّد إسماعیل الصدر .
ثمّ بیَّن السیّد الصدر ما توصَّل إلیه من ثمرة الفرق بین القولین ، وقد نفذ السیّد بنبوغه هذا إلى صمیم القلوب ، بصفته شخصیة علمیة ، وفکریة بارزة ، وحاز على اعتراف فضلاء وعلماء الحوزة العلمیة .

مواقفه من النظام الحاکم فی العراق

نذکر منها ما یلی :
الأوّل : عام ( 1969 م ) وفی إطار عدائها للإسلام ، حاولت زمرة البعث الحاقدة على الإسلام والمسلمین توجیه ضربة قاتلة لمرجعیة السیّد محسن الطباطبائی الحکیم ، من خلال توجیه تهمة التجسّس لنجله السیّد مهدی الحکیم ، الذی کان یمثِّل مفصلاً مهمّاً لتحرّک المرجعیة ونشاطها ، فکان للسیّد الشهید الموقف المشرِّف فی دعم المرجعیة الکبرى من جانب ، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر . فأخذ ینسِّق مع السیّد الحکیم لإقامة اجتماع جماهیری حاشد ، ویعبِّر عن مستوى تغلغل المرجعیة الدینیة ، وامتدادها فی أوساط الأمّة ، وقوّتها وقدرتها الشعبیة ، فحصل الاجتماع فی الصحن الشریف لمرقد الإمام علی ( علیه السلام ) ، وکان حاشداً ومهیباً ، ضمَّ کل طبقات المجتمع العراقی وأصنافه ، ولم یقف دعمه عند هذا الحد ، بل سافر إلى لبنان لیقود حملة إعلامیة مکثَّفة دفاعاً عن المرجعیة ، حیث قام بإلقاء خطاب استنکرَ فیه ما یجری على المرجعیة فی العراق ، وأصدر کثیراً من الملصقات الجداریة التی أُلصقت فی مواضع مختلفة من العاصمة بیروت .
الثانی : صباح الیوم الذی قرَّر الإمام الخمینی مغادرة العراق إلى الکویت ، قبل انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران ، قرّر السیّد الصدر الذهاب إلى بیت الإمام لتودیعه ، بالرغم من الرقابة المکثَّفة التی فرضتها سلطات الأمن المجرمة على منزله ، وفی الصباح ذهب لزیارته ، ولکن للأسف کان الإمام قد غادر قبل وصوله بوقت قلیل ، والحقیقة أنّه لا یعرف قیمة هذا الموقف وأمثاله إلاَّ الذین عاشوا تلک الأجواء الإرهابیة ، التی سادت العراق قبیل وبعد انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران .
الثالث : بعد حادثة اغتیال الشهید الشیخ مرتضى المطهّری فی إیران على أیدی القوات المناهضة للثورة الإسلامیة فی إیران ، قرّر السیّد الصدر إقامة مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة ، وذلک لأنّه کان من رجال الثورة ومنظّریها ، وکان من الواجب تکریم هذه الشخصیة الکبیرة .
الرابع : ومن مواقف الفداء والتضحیة ما حدث خلال فترة الحصار والإقامة الجبریة أیّام انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران إجابته على کل البرقیات التی قد أُرسلت له من إیران ، ومنها برقیة الإمام الخمینی ، علماً أنّ جمیع تلک الرسائل والبرقیات لم تصله بالید ، لأنّ النظام الصدامی کان قد احتجزها ، لکن السیّد الشهید کان یجیب علیها بعد سماعها من إذاعة إیران / القسم العربی .
وکان من حَقِّ السیّد الشهید أن یعتذر عن الجواب ، فمن هو فی وضعه لا یُتوقَّع منه جواباً على برقیة ، لکن لم یسمح له إباؤه ، فعبَّر عن دعمه المطلق ، وتأییده اللامحدود للإمام الراحل ، والثورة الإسلامیة الفتیة المبارکة ، مسجّلاً بذلک موقفاً خالداً فی صفحات التضحیة والفداء فی تاریخنا المعاصر .
الخامس : تصدّى السیّد الشهید إلى الإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث حتّى لو کان الانتماء صوریاً ، وأعلن ذلک على رؤوس الأشهاد ، فکان هو المرجع الوحید الذی أفتى بذلک ، وحزب البعث فی أَوْج قوّته ، وکان ذلک جزءً من العلَّة وأحد الأسباب التی أدّت إلى استشهاده .

اعتقاله واستشهاده
إن کل من عاش وعاصر السید الشهید محمد باقر الصدر (رضوان الله علیه) یستطیع أن یدرک بسهولة أن التضحیة حالة متجذرة فی أعماق روحه الزکیة بعد أن روى شجرة الإسلام بدمه الطاهر وسجل أبهى صور التضحیة والفداء من أجل إعلاء کلمة الله فی الأرض، ومقارعة زمرة البعث العفن وعصابات الجریمة والقتل الجماعی فی عراق المقدسات . و هنا نذکر بعضا من بیانه الثالث حیث یقول : (وإنی منذ عرفت وجودی ومسؤولیتی فی هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشیعی والسنی على السواء، ومن أجل العربی والکردی على السواء، حین دافعت عن الرسالة التی توحدهم جمیعاً وعن العقیدة التی تضمهم جمیعاً، ولم أعش بفکری وکیانی إلا للإسلام طریق الخلاص وهدف الجمیع . فأنا معک یا أخی وولدی السنی بقدر ما أنا معک یا أخی وولدی الشیعی، أنا معکما بقدر ما أنتم مع الإسلام وبقدر ما تحملون من هذا المشعل العظیم لإنقاذ العراق من کابوس التسلط والذل والإضطهاد).
کما ورد فی أطراف البیان الثالث:(یا أخوتی یا أبنائی من أبناء الموصل والبصرة من أبناء بغداد وکربلاء والنجف من أبناء سامراء والکاظمیة من أبناء العمارة والکوت والسلمانیة من أبناء العراق فی کل مکان، إنی أعاهدکم بأنی لکم جمیعاً ومن أجلکم جمیعاً وأنکم جمیعاً هدفی فی الحاضر والمستقبل، فلتتوحد کلمتکم ولتتلاحم صفوفکم تحت رایة الإسلام ومن أجل إنقاذ العراق من کابوس هذه الفئة المتسلطة، وبناء عراق حر کریم تغمره عدالة الإسلام وتسوده کرامة الإنسان، ویشعر فیه المواطنون جمیعاً على اختلاف قومیاتهم ومذاهبهم بأنهم أخوة یساهمون جمیعاً فی قیادة بلدهم وبناء وطنهم وتحقیق مثلهم الإسلامیة العلیا المستمدة من رسالتنا الإسلامیة وفجر تاریخنا العظیم والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته).
وبعد أن أمضى السیّد الشهید الصدر عشرة أشهر فی الإقامة الجبریة ، تمَّ اعتقاله فی التاسع عشر من جمادى الأوّل 1400 هـ . و بعد ثلاثة أیام من الإعتقال والتعذیب الشدید تم إعدامه مع أخته العلویة الطاهرة بنت الهدى وکان عمره الشریف 47 سنة .
وفی مساء یوم 9/4/1980 / 23 جمادى الأوّل 1400 هـ ، وفی حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً ، قطعت السلطة البعثیة الصدامیة التیار الکهربائی عن مدینة النجف الأشرف ، وفی ظلام اللیل الدامس تسلَّلت مجموعة من قوَّات الأمن إلى دار السیّد محمّد الصدر ، وطلبوا منه الحضور معهم إلى بنایة محافظة مدینة النجف الأشرف ، فکان بانتظاره هناک المجرم مدیر أمن مدینة النجف الأشرف ، فقال له : هذه جنازة الصدر وأخته ، قد تمَّ إعدامهما ، وطلب منه أن یذهب معهم لدفنهما ، فأمرَ مدیر الأمن الجلاوزة بفتح التابوت ، فشاهد السیّد الصدر ( قدس سره ) ، مضرَّجاً بدمائه ، آثار التعذیب على کل مکان من وجهه ، ، وتم دفنهما مضرجین بدماء الشهادة الطاهرة و علامات التعذیب واضحة على الجسدین الشریفین فی مقبرة وادی السلام المجاورة للمرقد الشریف للإمام علی (ع) بمدینة النجف الأشرف .
وبعد انتشار خبر استشهاده عن طریق الإذاعات العالمیة أصدر الإمام الخمینی ( قدس سره ) حینذاک بیاناً تاریخیاً ، حیث أعلن فیه عن استشهاد الإمام الصدر ( قدس سره ) وأُخته المظلومة ، و أعلن فیه الحداد العام فی کلّ إیران الاسلامیة. لقد جاهد الامام السید محمد باقر الصدر حتى نال وسام الشهادة الرفیع على نهج أجداده الطاهرین (صلوات الله علیهم أجمعین). فسلام علیک یا أبا جعفر یوم ولدت وسلام علیک یوم استشهدت وسلام علیک یوم تبعث حیاً و أسکنک الله جنانه فی أعلى علین مع الأنبیاء والصدیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقاً